الملخص التنفيذي والنتائج الرئيسة للبحث
منذ عام 2014، تواجه المنظمات غير الحكومية العاملة في الشأن السوري و/أو تلك العاملة داخل سوريا عقباتٍ متزايدة في تعاملاتها مع البنوك والمؤسسات المالية على مختلف المستويات. هذا الوضع مازال قائماً حتى اليوم، إذ تكفي الإشارة إلى اسم “سوريا” في أي تعاملات مالية إلى قرع جرس الإنذار في البنوك والمؤسسات المالية.
يتتبع هذا البحث المراحل المختلفة لآليات دفع الأموال والعمليات المالية الأخرى التي تواجهها المنظمات غير الحكومية (NGOs) والمنظمات الدولية (INGOs)، بدءاً من فتح الحسابات المصرفية، مروراً بعمليات تحويل الأموال، وصولاً إلى عواقب وتبعات هذه الإجراءات. كما يقدم البحث تحليلاً شاملاً للإجراءات المالية والتحديات التي تفرضها هذه الإجراءات على المنظمات (السورية وغير السورية) والمنظمات والوكالات الدولية ووكالات الاتحاد الأوروبي، بدءاً من الدول الأوروبية ومروراً بالدول المجاورة لسوريا (تركيا ولبنان وكردستان العراق) وصولاً إلى سوريا.
إلى جانب هذه التحديات ضمن الدائرة المالية (financial circuit)، يحلّل البحث العقبات الرئيسية التي تواجهها المنظمات الإنسانية نتيجة لتطبيق مجموعة من أنظمة العقوبات الدولية، ولا سيما تلك التي فرضتها الولايات المتحدة وطبيعتها العابرة للحدود الإقليمية (extraterritorial).
يشير البحث إلى أن المنظمات المحلية والدولية التي تعمل في الشأن السوري، أو العاملة في سوريا، تواجه صعوبات متزايدة تضطر معها بعض هذه المنظمات إلى إلغاء بعض مشاريعها لأنها لم تستطع استيفاء المعاملات الورقية التي يطلبها المانحون. ولسوء الحظ، وعلى الرغم من المبادرات العالمية والمؤتمرات التي جمعت في السنوات الأخيرة مختلف الجهات الفاعلة في هذا المجال (بما في ذلك المنظمات المحلية والدولية، وممثلي الدول، ومدراء البنوك) بهدف تطوير وتيسير العمليات المالية وإجراءات تحويل الأموال بالنسبة للمنظمات العاملة في سوريا أو في الشأن السوري، إلا أن أياً منها لم يسهم في إحراز أي تقدم يذكر حتى الآن؛ بل غالبا ما أسهمت هذه المبادرات في تعقيد الأمور أكثر من ذي قبل.
وفي حين تتوافر المنظمات المحلية والدولية الكبيرة على الإمكانيات المطلوبة لتجاوز الصعوبات والعقبات الناتجة عن تأخير أو إيقاف/رفض العمليات المالية (غالبًا بسبب الحجم الكبير للتدفقات المالية التي تديرها، ووجود فرق عمل متخصصة معنية بضمان الامتثال للإجراءات)، فإن الكيانات المتواضعة والصغيرة هي التي تعاني بشكل أكبر. هذا الوضع لم يقلل بأي حال من احتمالات نقل هذه المخاطر إلى المنظمات السورية العاملة ضمن سوريا أو في البلدان المجاورة؛ بل على العكس من ذلك تماماً. وعليه، فإن المنظمات الإنسانية الأصغر حجماً تتأثر بشكل غير متناسب من إجراءات إزالة المخاطر (de-risking processes) التي تتبعها البنوك.
في الختام، يمكننا القول بأن توفير التوجيهات والدعم من قبل الهيئات المسؤولة عن تنفيذ العقوبات أمر مطلوب ومرحبٌ به، إلا أنه بالكاد يعتبر كافياً لتجاوز المشاكل الهيكلية التي تواجهها المنظمات الإنسانية والمنظمات الدولية العاملة في سوريا أو في البلدان المجاورة، أو في أيٍّ من مناطق النزاع الأخرى. إن التحديات التي تواجهها المنظمات الإنسانية والمنظمات الدولية ليست مجرد عقبات يكفي تجاوزها أو عبورها، إذ أن هذه التحدّيات ذات طبيعة هيكلية ومتجذرة في النظام المالي وتقع في صميم نظام العقوبات الدولية الحالي.